ناصر عساف..  قناص اللقطات المؤثرة في الحياة اليومية

 

المراقب العراقي/ المحرر الثقافي…

يرى الناقد جاسم عاصي أن التشكيلي ناصر عساف بارع في اقتناص اللقطات المؤثرة في الحياة اليومية من خلال وضع معادلة فنية تراعي توزيع الضوء والظِل، كذلك الاهتمام بطبيعة اللقطة في اختيار زاويتها.

وقال عاصي في قراءة نقدية خص بها ” المراقب العراقي”:إن  الفوتوغرافي ناصر عساف تمكن أن يرصد هذه الظواهر بصورة مدروسة التشكيل الفني، وليس اعتبارها لقطات عابرة. فرؤية كادر الصورة تعطي مجموعة من المعاني، والرؤى والجدل المعرفي يخص دراسة الظاهرة ونقدها عبر مكونات الصورة الفنية، من خلال وضع معادلة فنية تراعي توزيع الضوء والظِل، كذلك الاهتمام بطبيعة اللقطة في اختيار زاويتها، وما يرافقها من مكملات تؤكد سرديتها وصعودها بالمعنى إلى مرتبة النتاج الفني الناقد.

وأضاف: لقد شكلت تلك الظواهر نوعا من السيادة الانتاجية إذا ما قورنت مع نتاج أقرانه ومنهم الفنان فؤاد شاكر في مجال رصد واقع الحارة الشعبية والشوارع والأزقة الشعبية. كذلك الفنان جاسم الزبيدي وولعه المباشر في ظاهرة الحرب، خاصة الحرب اللبنانية. كل هؤلاء وغيرهم وظفوا الصورة لصالح الكشف عن حياة المطرودين من مجالاتهم لمجموع الأسباب الواقعية كما ذكرنا. والفنان عساف من بين ما تابع وبتركيز حكائي لنموذج بشري كثرت في اتجاهه النظرات المتأسية، لكننا نأخذ بظاهرة الطرد، سواء كان اختياراً أو إجباراً وبفعل الظروف التي ذكرناها، مسلطين الضوء على نموذجه الذي اتخذ له مستقراً خارج مجالات المدينة، أي اختار المجال الفارغ ليؤسس له معنى، سواء للمكان أو وجوده المعبر عن احتمالات المعاني التي يبني عليها الرائي البصري للصورة أو الرائي المباشر حين يصطدم بوجوده في الفراغ الواسع من الوجود كمكان.

واشار الى ان الفنان عساف يلزم نفسه في اقتناص اللقطات المؤثرة في الحياة اليومية، اللقطات التي تفتح الرؤى المحاورة للظواهر القاهرة. إن ميله هذا نابع من مأساة الشارع والرصيف والزوايا المهملة في المدينة؛ كالظواهر الاجتماعية وبروز الأحياء الفقيرة التي لا تتمتع بامتيازات سوى ظاهرة التهديد المتواصلة بتهديم ما بنوه كمأوى، لعل نماذج الأرصفة واحدة من الاهتمامات المهمة لكاميرته. كما أنه اهتم بشريحة تنتمي إلى فئة الرصيف، وهم نماذج المطرودين من مجالهم في الحياة. والطرد تتشعب قيمته، أي أسبابه، لكنها في النتيجة تتموضع ضمن الإهمال الاجتماعي والضغط غير المبرر من القوى المتنفذة. وقد لاحظت في سياق الحياة أن ثمة مطرودين قسراً في مستشفى الرشاد في بغداد. واوضح ان هؤلاء الشريحة التي تطبعت على مكان الطرد، واعتبرته بحكم الألفة معه كدار البقاء. ونماذج الفنان اتخذت له مكاناً قصياً نسبياً، مكاناً لا شرقيا ولا غربيا، بل هو ضمن فضاء مفتوح، افترض المطرود أنه دار استقرار لوجوده، فعمل على تأثيثه بعد تشييد معالمه من نفايات البيئة. وحكاية النموذج هذا كان لها مسبب موضوعي للطرد، فهو لم يختر غياب سيطرة العقل فقط، بل ترحيل عقله في اتجاهات متذبذبة، بقدر ما فرضته عليه حالة استطاعت أن تُرحّل السيطرة على فعالياته المباشرة.

وبين :تقول الحكاية المرتبطة بالأجزاء التي تُظهرها الصور؛ إنه بدأ مستقراً في اختيار البقعة التي يسكنها، ودأب على تجميع ما من شأنه تجميل المأوى الجديد وإظهاره بالصورة التي توفر له حصراً القناعة. فكان المكان وكان الزمان يتواصلان بوتيرة صاعدة. فهو كالإنسان الأول حين اختار الكهف. منزل النموذج مركب من مواد تركتها ذائقة الإنسان لأنها غير مفيدة، بعد أن استنفدت فائدتها، ما خلق منه حياة جدية ومفيدة، والنموذج من جعلها مفيدة بحكم وظيفتها الجديدة. إذن كان الإنسان هنا يدرك ضرورة بذل الجُهد لتحويل وظائف المهمل، وهذا له علاقة بالعقل أساساً فيما يخص الاختيار الأمثل للأشياء. وهذا بطبيعة الحال نوع من التعبير عن فعالية العقل، وإن كانت النظرة الاجتماعية إزاءها مختلفة، وتوصيفها بالجنون والخبل والضياع. لكن النموذج خلق من ضياعه وجوداً جديداً ذا معنى يستمرئ خلاله وجوده الذاتي، ويألف المفردات الجديدة، لأنها توفر له الأمان في المكان، ودفع الأذى من تصرفات الآخر.

وواصل : أن هذا هو متن الحكاية التي حقق رويها فوتوغرافيا ناصر عساف، محققاً بذلك منجزاً يُضاف إلى ما حققه من قبل وهو يرصد حياة المطرودين. وفي لقطات راعت البنية الفنية، حيث اختار وفرة الضوء الطبيعية ليعكس وجود النموذج. كما أنه اهتم بالحركة التي يبديها النموذج، سواء للمصور أو أي إنسان يقتحم عزلته، بمعنى وفر للقطته حركة معبرة. فالنموذج يحاور بحركة الجسد كل ما يدخل عالمه. فهي لقطات محاورة وليست صياغات تسجيلية فقط. لقد ظهر النموذج على حالة فائقة الحرية والثقة في عزلته.

وختم:  أن الاختيار وفّر لنا وللمصور نوعا من القناعة الذاتية، مما غيّر نظرة الرائي للنموذج، دون أن يولي اهتماما للسبب الذي خلق الحالة، فالوجود الآني من يخلق الانطباع بسلوكه وبالتالي احترام هذا السلوك الذي لا يسبب الأذى للآخر، بقدر ما يعبر عن موقف للمعزول أو المطرود من مجاله. نرى أن دراسة هذه الظاهرة غير مختصرة على المصور كفنان، وإنما من وظائف واهتمام كل من يعمل في حقول الإبداع.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.